رساله فی موضوع العلم

هذه الرساله خلاصه ما ألقیناها علی طلابنا الأعزّاء فی مجلس درس کفایه الاُصول حول موضوع العلم، نسأل الله أن ینفع بها أهلها.

بسم الله الرّحمن الرّحیم

الحمد لله ربّ العالمین والصّلاه والسّلام على محمّد وآله الطّاهرین

ولعنه الله على أعدائهم أجمعین.

 

 

موضوع العلم

1. ما المراد من العلم؟

1. الإدراک، وهو یتحقّق بحضور نفس الشیء[1] أو صورته[2] عند الذهن.

العلم بهذا المعنى أمرٌ واقعیّ بسیطٌ عرضیّ من مقوله الکیف النفسانیّ.

2. مجموعه من القضایا الّتی تدخل فی حصول غرض واحد.

والعلم بهذا المعنى أمر اعتباریّ[3]مرکّب من هذه القضایا الّتی تسمّى بـ <مسائل العلم>[4]، فنسبه العلم إلى مسائله نسبه الکلّ إلى أجزائه، وهذا المعنی هو المراد فی المقام[5].

2. ما المراد من الموضوع؟[6]

1. فی المنطق: ما یکون مقابلاً للمحمول فی القضایا الحملیّه[7].

2. فی الفلسفه: ما یحتاج إلیه العَرَض فی وجوده الخارجیّ.

لأنّ العرض عُرّف فیها بـ <ماهیّه إن وُجدت فی الخارج وُجدت فی موضوع مستغن عنها>[8]، وفی مقابله الجوهر.

3. فی اللغه: ما یدور حوله البحثُ والحدیث[9].

هذا المعنی هو المراد فی المقام.

3. ما هو موضوع العلم؟

1. عند القدماء: ما یبحث فی العلم عن أعراضه الذاتیه[10].

2. عند المتأخّرین والمصنّف: ما یبحث فی العلم عن عوارضه الذاتیّه[11].

هل فرقٌ بین تعریفی الموضوع؟

الظاهر عدم فرق بین <الأعراض> و<العوارض> إلاّ لفظیّاً؛ لأنّ منهم من عبّر بکلا التعبیرین فی المقام[12]،  إلاّ أنّ مراد القدماء من الأعراض الذاتیّه فی موضوع العلم غیر مراد المتأخّرین من العوارض الذاتیّه فیه، ولبیان الفرق بینهما لابدّ من تقدیم مقدّمات ثلاث:

المقدّمه الاُولى

الواسطه على ثلاثه أقسام:

1. الواسطه فی الثبوت وتسمّى بالثبوتیّه، وهی ما یکون علّهً لوجود شیء: کالنار بالنسبه إلى الحراره.

2. الواسطه فی الإثبات وتسمّى بالإثباتیه، وهی ما یکون العلم بوجودها علّهً للعلم بوجود شیء: کالعلم بالحراره بالنسبه إلى العلم بالنار فیما إذا علمنا بوجود النار بواسطتها.

3. الواسطه فی الحمل والإسناد وتسمّى بالعروضیه[13]، وهی واسطه تصحّح حملَ شیء على شیء مجازاً[14] وبدونها یعدّ الحمل غلطاً: کحرکه السفینه الّتی تصحّح إسناد التحرّک إلى راکبها الساکن فیها مجازاً.

المقدّمه الثانیه

مراد القدماء من <العَرَض>[15] فی موضوع العلم معناه فی المنطق[16]، أعنی: ما حُمِل على شیء حملاً حقیقیّاً (أی بلا واسطه) وهو خارج عن ذاته، ومقابله <الذات> أو <الذاتیّ>[17]، کحمل الضاحک على الإنسان.

ومراد المتأخّرین من <العارض> مطلق ما حمل على شیء، کحمل الناطق على الإنسان.  فالعارض اعمّ مطلقاً من العرض من جهتین.

المقدّمه الثالثه

إنّ العَرَض على خمسه أقسام:

1. العرض الثابت للشیء بدون واسطه ثبوتیه: کالزوجیّه العارضه للأربعه.

2. العرض الثابت للشیء بواسطه ثبوتیّه، وهو ـ باعتبار النسب الأربع القائمه بین الواسطه الثبوتیه للعرض وبین معروضه ـ على أربعه أقسام:

1. العرض الثابت للشیء بواسطه مساویه لذلک الشیء: کالضحک العارض للإنسان بواسطه کونه متعجّباً[18].

2. العرض الثابت للشیء بواسطه مباینه له: کالحراره العارضه للماء بواسطه النار.

3. العرض الثابت للشیء بواسطه أخصّ منه: کالتکلّم العارض للحیوان بواسطه ناطقیّه بعض أفراده.

4. العرض الثابت للشیء بواسطه أعمّ منه: کالتحرّک الإرادیّ العارض للناطق بواسطه حیوانیّته[19].

ما هو مراد القدماء من الأعراض الذاتیّه؟

فالعرض إن عَرَضَ الشیءَ بدون واسطه ثبوتیّه أو بواسطه ثبوتیّه مساویه لذلک الشیء فهو عرض ذاتیّ.

وإن عرضه بواسطه ثبوتیه مباینه له أو أخصّ منه أو أعمّ منه فهو عرض غریب[20].

ما هو مراد المتأخّرین من العوارض الذاتیّه؟

فإن أمکن حمل شیء على شیء حملاً حقیقیّاً[21] أی: بدون حاجه إلى واسطه فی العروض، فهو عارض ذاتیّ له، سواء کان یُعدّ بالنسبه إلیه من الأعراض الذاتیّه أم من الأعراض الغریبه: کإسناد الجریان إلى الماء الجاری.

وإن لم یمکن حمله علیه إلاّ بواسطه عروضیّه مجازاً فهو عارض غریب له: کإسناد الجریان إلى المیزاب بواسطه الماء الجاری منه.

النسبه بین عرض الشیء وعارضه

والجدیر بالذکر: أنّ العارض الغریب للشیء لیس عرضاً له ولو غریباً، مع أنّ عرض الشیء ولو کان غریباً یعدّ عارضاً ذاتیّاً له، وبعباره اُخرى: إنّ النسبه بین مطلق العرض وبین العارض الغریب التباین، مع أنّ النسبه بینه وبین العارض الذاتیّ الخصوص والعموم مطلقاً، فتدبّر جیّداً.

فتحصّل ممّا ذکرنا:

أنّه یبحث فی العلم عن کلّ ما یمکن حمله على موضوعه حملاً حقیقیّاً وله دخلٌ فی الغرض المترقَّب من ذلک العلم.

 


[1] . کما فی العلم الحضوریّ، کعلم الإنسان بنفسه وبعلمه.

[2] . کما  فی العلم الحصولیّ، کعلم الإنسان بغیره من الأشیاء الخارجیّه.

[3] . فتعداد العلوم وسعه دائرتها أو ضیقها منوطه بکیفیّه اعتبار الغرض منها، فإن اعتبر العقلاء ـ مثلاً ـ الغرض من علم الطبّ صیانه الإنسان عن الأمراض الجسمیّه والمعنویّه تتّسع دائره علم الطبّ بواسطه دخول القضایا المعنویّه والأخلاقیّه فیه، کما أنّهم لو اعتبروا الغرض منه صیانه الإنسان عن الأمراض الجلدیّه فقط تتضیّق دائرته وینقسم حینئذ إلى علمین.

[4] . لایخفى أنّ مبادئ العلم ـ تصوّریه کانت أم تصدیقیّه ـ لاتعدّ من أجزائه ـ کما قد یتوهّم ـ بل هی إمّا ثابته بالبداهه وإمّا یجب أن تٌثبَت فی علم آخر، وکذا موضوعه.

[5] . هکذا أراد المصنّف فی موضوع العلم، لکنّه أراد فی تعریفه المعنی الأوّل للعلم؛ حیث عرّف علمَ الاُصول بأنّه <العلم بالقواعد… > أو أنّه <صناعه یعرف بها… >، وهذا کما ترى.

[6] . لتفصیل معانی الموضوع راجع إلى الرافد فی علم الاُصول 1: 95 ـ 98.

[7] . وهو عدل <المقدّم> فی مقابل <التالی> فی القضایا الشرطیّه.

[8] . نهایه الحکمه : 90.

[9] . له معان لغویّه اُخرى لاتهمّنا فی المقام.

[10] . کالشیخ الرئیس فی الإشارات 1 : 91 والنجاه : 17 و494.

[11] . کالحکیم السبزواریّ فی حاشیه الأسفار 1: 32، وصاحب الفصول فی الفصول: 10.

[12] . کما فی شرح المنظومه 4 : 105 : <…یبحث فی العلم عن “العوارض الذاتیّه” لموضوعه…لأنّ مسائل العلم إثبات “الأعراض الذاتیه”>، وکذا فی نفس المصدر4 : 241.

[13] . العُروض بمعنى الحمل والإسناد غلط مشهورٌ؛ لأنّه جمع العَرْض الّذی هو بمعنی ذلک.

[14] . لایخفى أنّ المعیار هنا العرف، فالمحمول فیما إذا کانت واسطه الحمل خفیّه ـ بحیث لا یعدّ مجازاً عرفاً ـ من العوارض الذاتیه، راجع حقائق الاُصول1: 6.

[15] . أو <العرضیّ>.

[16] . المنطق :90.

[17] . فلیس المراد من العرض ما یندرج فی المقولات التسع مقابلاً للجوهر ، ولذا یشمل ما هو من الاُمور الانتزاعیه ـ کالإمکان والوجوب بالنسبه إلى الوجود ـ أو من الاُمور الاعتباریّه کالوجوب والحرمه بالنسبه إلى فعل المکلّف.

[18] . على ما قیل من أنّ الضحک معلول التعجّب، فالمتعجّب الّذی واسطه الضحک مساو مصداقاً للإنسان الّذی هو معروضه، وقس على ذلک سائر الأقسام.

[19] . لایخفى أنّه قد یُقسّم العرض إلى سبعه أقسام بتقسیم الواسطه الثبوتیه إلى قسمین: داخلیّه و خارجیه؛ إذ هی إمّا جزء للمعروض ـ فتسمّى بالداخلیّه ـ وإمّا لیس کذلک فتسمّى بالخارجیّه، والخارجیّه منها على أربعه أقسام کما بیّنّاها ومثّلنا لها ولکنّ الداخلیّه منها على قسمین فقط: مساویه للمعروض وأعمّ منه؛ لاستحاله کون جزء الشیء مبایناً له أو أخصّ منه، ومثال العرض الثابت بالواسطه الداخلیّه المساویه: التکلّم العارض للإنسان بواسطه ناطقیّته ومثال العرض الثابت بالواسطه الداخلیّه الأعمّ: التحیّز العارض للحیوان بواسطه جسمیته.

[20] . حکی عن مشهور المتأخّرین عدُّ العرض الثابت بواسطه داخلیّه أعمّ من الأعراض الذاتیه خلافاً للقدماء. راجع منتهى الدرایه1: 7 (الطبعه القدیمه).

[21] . علامه الحمل الحقیقیّ عدم صحّه السلب.

ارسال یک دیدگاه

آدرس ایمیل شما منتشر نخواهد شد.

سیزده − دو =